كتبهاهمت لاشين ، في 19 أغسطس 2010 الساعة: 00:08 ص
فلسطين … تصريح زيارة
ليالي
شهر رمضان المبارك كثيراً ما تأخذنا شوقا وحنيناً إلى ذكريات الماضي الجميلة،
فوجدت نفسي أهيم عشقاً بذكريات خاصة مع فلسطين لا تقل عن عشقي
للصين
أخذني
قطار ذكرياتي إلى شهر ابريل من عام 1999م حيث كانت ترتيبات زيارتي الأولى
لفلسطين، وبعد الحصول على تصريح الزيارة الخاص، بدأت الرحلة انطلاقاً من دبي إلى
عمّان في الأردن ثم عبور الجسر الخاص لدخول فلسطين والضفة الغربية.
مررنا
بمراحل عديدة على الجسر من بوابات وتغيير باصات وحواجز وتفتيش، ولا أخفي شعوري
بأن قلقي كان يزداد وتوتري يحتد عند كل حاجز تفتيش!!!
بعد
عبور كل الحدود والحواجز على الجسر ووصولنا إلى الأراضي الفلسطينية بدأت أشعر بنوع
من الاطمئنان وأنا أرى العلم الفلسطيني يرفرف على الأراضي الفلسطينية، وبدأنا بركوب
السيارة المرسيدس الـ7 راكب القديمة من موقف تاكسيات استراحة أريحا، وبدأت رحلة رعب
جديدة منذ ركوبي السيارة التي تسير بسرعة جنونية فوق الأراضي الجبلية بمرتفعاتها
ومنخفضاتها حتى انني أجبرت نفسي على النوم حتى لا يزداد خوفي ولكن قلبي كاد يقع في
ركبتي عند إحساسي بصعود كل مطلع وهبوط أي منزل، وأكاد أجن وأنا أسمع حوارات وأحاديث
باقي الركاب الفلسطينين من حولي وكأن شيئاً لم يكن، وهمست لزوجي: ألا تشعرون بأي
خوف من هذه القيادة الجنونية؟ هل للسائق ان يخفف السرعة ولو قليلاً؟
وكانت إجابته عبارة عن ابتسامة هادئة تهديء من روعي ومسك بيدي مؤكدا انها قيادة
طبيعية ولا داعي للقلق والتوتر، فاستسلمت للأمر وتحايلت على نفسي مرة اخرى محاولة
النوم وأغمضت عيني وأنا أمسك بيده وأقرأ القرآن وأُكرر الشهادة مرات ومرات ومرات
حتى استسلمت للنوم وفي حضني ابني مصطفى الذي كان عمره 7 اشهر ولم أفتح عيني إلا بعد
منتصف الليل عندما أدركت وصولنا للمكان المقرر لإقامتنا في إحدى قرى جنين بالضفة
الغربية وكانت (أشهد ان لا إله الا الله) هي أول كلماتي عندما تنفست الصعداء ونزلت
من السيارة.
حمدت
الله على وصولنا بسلامة الله ووجدت الجميع بإنتظارنا بوجوه بشوشة سعيدة مرحبة
وسرعان ما ألفت الناس والمكان وكأني أعيش في هذه البلد منذ سنوات
طويلة.
وفي
صباح اليوم التالي لوصولنا بدأت أتجول بحرية في البيت (الدار)، وأتأمل الطبيعة
الجميلة الساحرة هناك، وأشم رائحة الزهور في الحديقه الجميلة التي تزين (قاع الدار)
وما بها من أشجار الزيتون والرمان والتين والاسكادينيا وأنواع أخرى كثيرة من
الفواكه والخضار، ولاحظت أيضاً أن معظم البيوت هناك من دورين، وعرفت ان وجود
(برندا) و (بير للمياه) هي من ضروريات كل بيت، كما أن وجود الأعداد الكبيرة من
صفائح أو تنك الزيتون وتنك الجبن وقناني البندورة من الأساسيات التي تزين المطبخ
الفلسطيني هناك،
وكانت
زيارتي ووجودي داخل فلسطين فرصة للتعرف على الأكلات الفلسطينية الشهيرة كالمقلوبة
والمسخن وفطاير الزعتر وأقراص الحلبة والكزحة وقـ/كلاية البندورة وغيرها من الأكلات
الشعبية اللذيذة، وكنت أعشق جلسات تكسير اللوز أو كما يقولون بالفلسطيني (نطقع لوز)
..
ومن
العادات التقليدية الطيبة التي تجمع شمل الأهل والأصدقاء في أجواء من الحب
والمودة والدفء كانت تلك التجمعات والزيارات الودودة التي يحل موعدها مع مساء كل
ليلة حيث تبدأ الزيارات ويجتمع الأهل والأصدقاء والجيران ويتبادلوا الأحاديث أو
(الخراريف) كما يطلقون عليها باللهجة المحلية، وتكون زيارات إجتماعية مسلية جداً،
وجدت الناس هناك لطافاً جداً و ودودون للغاية مع الغرباء ولديهم فضول طريف للسؤال
ومعرفة أدق التفاصيل حتى ولو كانت أموراً شخصية جداً، وكنت أستمتع بالكلام أو الحكي
الفلسطيني المغلف بمهارة كبيرة في استخدام الأمثال الشعبية التي تعني الكثير في
حياتهم وثقافتهم.
فكان
للهجة الفلسطينية نصيب كبير من اهتمامي، فلاحظت ان معظم الكلمات تنطق هناك جمع مؤنث
فمثلاً كلمة (الزيتون) يقولونها (الزتونات) والزعتر (الزعترات) واللوز (اللوزات)
إلخ
كما ان
حرف الـ (ق) ينطق هناك (ك) فالـ (القهوة) أصبحت (كَهوِة) و(قتل) أصبح (كتل) ، وحرف
الـ (ك) ينطق (ش معطشة) فمثلا (كيف حالك) تنطق (تشيف حالك)
من
الأشياء الأخرى التي لها أهمية في حياه كثير من الفلسطينين هي حبهم للشواء، فعدة
الشواء من أسياخ ومنقل وفحم هي من أساسيات البيت الفلسطيني
هناك.
وكنت محظوظة
جداً خلال الزيارة بحضور عرس أحد الأقارب، فكانت فرصة طيبة للتعرف على العادات
الفلسطينية في الأعراس، فكانت أجواء سعيدة مُبهجة في القرية كلها، وتشتد العزايم
والزغاريد بهذه المناسبة السعيدة التي يشارك فيها وبدون مبالغة كل أهل القرية
كباراً وصغاراً وكأنها فرحة وعرس في كل دار وبيت.
ومن العادات
المميزة في الأعراس الفلسطينية كانت "حمام العريس" وهو أن يستحم العريس عند أحد
أقربائه أو أصدقاؤه، وكان الأهل والاصدقاء يتسابقون إلى دعوة العريس ليكون لهم نصيب
المشاركة في إحدى فقرات العرس الأساسية، وبعد الانتهاء من الحمام يخرج العريس بلبس العرس الجديد وتبدأ الزغاريد والغناء
وتقديم صواني الكنافة او بالفلسطيني (سدر كـنافة). وفي المساء يذهب العريس وعروس
إلى القاعة المخصصة لحفل العرس وتبدأ الاغاني وتتسع دائرة الرقص التقليدي من السحجة
والدبكة الفلسطينية الشهيرة على الأغاني الفلكورية ذات الهوية الفلسطينية المميزة.
زيارت لمدن فلسطينية
مدينة جنين
أول
زيارة قمت بها في فلسطين كانت لمدينة جنين التي هي من أشهر مدن الضفة
الغربية، وصلنا إلى جنين في الصباح الباكر وبدأنا جولتنا في المدينة بوجبة الإفطار
الشعبي في محل (الامباشي) وكان عبارة عن سندوتشات الفول والفلافل والحمص
بعد
الافطار بدأت زيارتنا لمخيم جنين، فمن كثرة ما سمعت عن كلمة (المخيمات) التي كانت
تعني في مخيلتي مجموعة من الخيام المنصوبة في مكان ما لإيواء الناس، فكان عندي فضول
شديد لزيارة أي مخيم لمعرفة طبيعة الحياة هناك فكانت زيارتي أساسية لمخيم جنين الذي
لم أجد فيه اي خيام كما تخيلت ووجدت فيه سمات حياة طبيعية جداً كأي مكان آخر، به
الكثير من المباني والبيوت المحلات التجارية والشركات، حتى انني دخلت أحد الصالونات
النسائية (كوافير) هناك وكانت دهشتي عندما وجدتهم يتبعون اخر صيحات الموضة من
تسريحات شعر ومكياج وأدوات تجميل
مدينة نابلس
في
صباح أحد الأيام كانت زيارتنا لمدينة نابلس، كنت في قمة سعادتي وأنا أمشي في شوارع
نابلس التي سمعت وقرأت عنها الكثير، وكانت متعة كبيرة وأنا أعيش عن قرب حياة
الفلسطينيين الحقيقية وأتعرف على المنتجات الفلسطينية التقليدية مثل الثوب
الفلسطيني المطرز يدوياً والكوفية الفلسطينية (الحطة) ولن يفوتنا قبل مغادرة نابلس
أن نتذوق بل نلتهم أطباق الكنافة النابلسية الشهيرة من محل (حلويات الأقصى)
مدينة القدس
زيارة
القدس كانت من أهم الزيارات التي قمت بها في حياتي كلها، فكنت دائماً أحلم بالعيش
ولو دقائق في قلب هذه المدينة العتيقة بأسوارها وأبوابها ومساجدها وكنائسها،
وبالرغم من الصعاب والخطورة وتحايل السائقين على الطرق الوعرة داخل فلسطين إلا أنني
تحديت الخوف وقررت القيام بتلك الزيارة الخاصة مهما كلفني الأمر، وبدأت رحلتي الى
القدس وكلي اشتياق لزيارة المسجد الاقصى والوقوف أمام قبة الصخرة ولم أُصدق حالي
إلا وانا أعبر من باب العمود إلى ساحات الاقصى
وتنهمر
الدموع من عيني وأنا أقف بخشوع أتأمل السماء الصافية من فوقي وأشجار الزيتون
العتيقة من حولي، وتدنو خطواتي أكثر وأكثر من بوابات الدخـول الى مسجد قبة الصخرة،
وكان شعور كله رهبة وقداسة وأنا اتحسس الجدران بالداخل، وأتذكر تاريخ هذا المكان
بقصصه الروحانية ومكانته الدينية في قلب ووجدان كل مسلم وكل عربي.
ويهتز
قلبي أكثر ويخشع وأنا استمع لصوت الاذان يعلو في باحة الأقصى واردد معه إستعداداً
للصلاة .. الله اكبر .. الله اكبر .. أشهد ان لا إله إلا الله
عشت
دقائق اخرى مميزة في مدينة القدس عندما دخلت (المصلى المرواني) لأداء صلاة الظهر،
وحتى اليوم لن تغيب عن عيني تلك اللوحة الفنية الجميلة وأنا اقف فوق إحدى الأسطح
لمشاهدة (حائط البراق) الذي يعتبر من أشهر معالم مدينة
القدس.
بعدها
بدأنا نتجول في الساحات والباحات حتى وصلنا الى (كنيسة القيامة) داخل أسوار البلدة
القديمة، فكان لهذا المكان المقدس شعور اخر مميز ووقفت مبهورة امام فخامة الكنيسة
بجدرانها ووحرابها وأسقفها القديمة.
بعد
ذلك دخلنا أزقة القدس القديمة نتجـول في الأسواق، وكان موقفا طريفا عندما
وجدت سيدة فلسطينية (ختيارة) تبيع الخضروات وهي ترتدي ثوباً فلسطينياً مطرزاً في
غاية الجمال والروعة حتى انني لم أتمالك نفسي وطلبت منها أن تبيعه لي خاصة وانها
تلبس ثوبين، فرحبت دون تردد ولكني لا أدري ماذا حدث من إنشغال أعاق شراء ذلك الثوب
الذي مازلت أتذكر الوانه وجماله حتى الآن.
قرب
الإنتهاء من الزيارة وبعد الغذاء في إحدى المطاعم الفلسطينية في شوارع البلدة
القديمة وبعد مغادرة المطعم بحوالي ساعة، أدركت فقدان شنطة يدي وبدأ عقلي يشت من
التفكير في العواقب التي قد تحدث بسبب ذلك حيث بها جواز سفري وتصريح الزيارة وكل
يخصني من أوراق وأشياء هامة، فعدنا لمعظم الأماكن التي قمنا بزيارتها حتى وصلنا
للمطعم الذي تناولنا الغذاء فيه، فوجدنا ذلك الشاب (الزلمة) المهذب في إنتظارنا
يسلمنا الشنطة ويؤكد اننا لو عدنا بعد عام سنجد الشنطة كما هي وفي الحفظ
والصون.
تركت
فلسطين بعد حوالي اسبوعين وفي قلبي ذكريات جميلة للمكان والناس لن أنساها ما حييت،
ولن أنسى لحظات الوداع المؤثرة يوم سفري، فكنت أتقدم خطوة للخارج وأرجع خطوتين
للداخل، وأتذكر دموع الحاج أحمد الذي أوصاني باسم (نبأ) واتخذته فيما بعد اسماً
لأبنتي، وكانت آخر كلماته لي وأنا استودعه الله و (احب) على يديه ورأسه بانه يشعر
باننا لن نلتقي ثانية، ولم أشعر إلا والدموع تنهمر من عيني أثناء تلك اللحظات،
وفعلاً لم نلتقي وتوفى بعد ذلك بعشرة شهور (الله يرحمه ويسكنه فسيح
جناته)
فلسطين
ستظل القلب النابض في قلب ووجدان كل عاشق للحياه.
ريم عزام قال:
-
مايو 28th, 2012 at 4:49 ص
مايو 29th, 2012 at 1:17 ص
مايو 29th, 2012 at 12:27 م
مايو 29th, 2012 at 2:42 م
مايو 29th, 2012 at 2:43 م
مايو 29th, 2012 at 3:53 م
مايو 29th, 2012 at 3:57 م
تحياتي
مايو 29th, 2012 at 3:59 م
مايو 30th, 2012 at 3:11 ص
مايو 30th, 2012 at 2:52 م
**************************************
الاخت الغالية عاشقة الصين
أوجزتى بشقاوة فخرجت كلماتك رائعة
ولما لا فأنتم للروائع خلقتم
تحياتى
مايو 31st, 2012 at 3:25 ص