Tuesday, 2 April 2013

قبل فوات الاوان .. بقلم حسين اسماعيل

كتبها حسين إسماعيل ، في 30 ديسمبر 2010 الساعة: 09:33 ص



قبل فوات الأوان
حسين إسماعيل
ليس من الصعب على أي متابع لتناول وسائل الإعلام العربية للعلاقات الصينية- العربية في الفترة الأخيرة أن يلاحظ توسع محتوى تلك العلاقات وطرح قضايا لم تكن مألوفة من قبل والخوض في موضوعات شائكة، بوعي أو بدون وعي. ولابد من الاعتراف بأن حجم التناول الإعلامي العربي للصين وقضاياها شهد زيادة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، فقد كانت أولمبياد بكين 2008 نقلة نوعية كبيرة للصين في وسائل الإعلام العربية، تعززت بعد إكسبو شانغهاي 2010. ولابد من الاعتراف أيضا بأن التناول الإيجابي للصين في أجهزة الإعلام العربية المقروءة والمسموعة والمرئية هو الغالب، وأن هناك تناميا، ربما يكون بطيئا، في فهم الصين وقضاياها، فمازالت هناك كتابات سطحية ومعلومات غير دقيقة في أجهزة الإعلام العربية عن الصين، حتى عند الثناء والإشادة بإنجازاتها أحيانا.
الظاهرة المقلقة، والتي تندرج في إطار "الجهل" بالصين هي تناول بعض أجهزة الإعلام العربية قضايا تمس كرامة واحترام المواطن الصيني، والخوض في مناطق وموضوعات شائكة تخص الدولة الصينية، ولعل "ظاهرة" العروس الصينية النموذج الأبرز، وربما الأكثر قبحا في هذا المجال. العامل المشترك في تناول هذه القضايا هو الافتقار إلى أبسط القواعد المهنية للعمل الإعلامي، أي تقديم الدليل والبرهان على ما يقال وما يكتب، والبحث عن الحقيقة لدى أصحابها ومن لهم علاقة بها.
في السابع من نوفمبر السنة الماضية، خصص برنامج "مساء الخير يا مصر" الذي تقدمه إذاعة البرنامج العام المصرية، وهي محطة الإذاعة الرسمية للدولة، وقتا ليس قليلا لمناقشة قضية "العروس الصينية" واستضاف سيدة قال مقدمو البرنامج إنها خبيرة وزارت الصين وسألوها عن الأمر، فقالت إن الحكومة الصينية، في إطار خطة استراتيجية لها لغزو مصر فكريا تتبنى موضوع تزويج الصينييات لشباب من مصر، وأكدت الخبيرة أنها زارت الصين وأدركت ذلك خلال الأيام الأربعة التي أمضتها هناك ذلك.
انتظرت أن يستضيف مقدمو البرنامج شابا مصريا تزوج شابة صينية أو أن يقدموا أرقاما إحصائية عن زواج المصريين من صينييات، فهكذا تقتضي مهنية العمل الإعلامي، ولكن الحديث انصب على مخاطر "العروس الصينية" على الأمن القومي المصري والهوية المصرية الخ من هذا الحديث المرسل.
ولو أن الذين يخوضون في هذا الحديث، الذي بدأ بمزحة على الإنترنت على هذا الرابط http://www.youtube.com/watch?v=temvi9JrBzc ، يعرفون أن الصين تعاني عجزا في عدد الفتيات في سن الزواج منذ تسعينات القرن الماضي، حيث أن كل مائة أنثى تولد منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، يولد معها مائة وثمانية عشر ذكرا. هذه النسبة بين مواليد الذكور والإناث 118: 100، تعني أن الصين تعاني عجزا في الفتيات في سن الزواج حاليا.
إن الحديث الساذج عن "العروس الصينية" بالشكل الذي تطرحه أجهزة الإعلام العربية فيه إهانة لخمس نساء العالم، فالمرأة الصينية ليست رخيصة وليست تلك "الآلة" الميكانيكية التي يصورها الإعلام العربي.
يجهل الذين يتناولون هذا الموضوع أنه بحسابات الأرقام، في ظل العولمة الحالية، ينبغي أن يحتل الصينيون، رجالا ونساء، المرتبة الأولى في الزواج المختلط مع أبناء الجنسيات الأخرى، ومنهم العرب، فالصينيون يمثلون خمس سكان العالم، وزواج الشباب المصري من عجائز من جنسيات أوروبية مختلفة في الغردقة وشرم الشيخ وغيرهما من المدن السياحيةالمصرية هو الظاهرة الجديرة بالاهتمام وربما القلق.
هناك كثير من الأسر أحد طرفيها عربي والآخر صيني، في بلدان عربية وفي الصين، وأنا أعرف بعضها. هذه الأسر قامت على المودة والمحبة والتفاهم وليس ضمن استراتيجية غزو، نابعة من خيال مريض.
لم يكلف أحد من الذين تناولوا هذا الموضوع عناء البحث عن أي شخص له علاقة مباشرة به. استضافوا الخبراء والمحللين وأصحاب الفتاوى الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولم يقتربوا من باب أسرة أحد طرفيها من الصينيين ليعرفوا حقيقة الأمر، وعندما أصدرت السفارة الصينية في مصر بيانا بعدد حالات الزواج بين طرفين، أحدهما مصري والآخر صيني، المسجلة لدى السفارة الصينية بمصر والسفارة المصرية في الصين، لم تلفت إليه وسائل الإعلام.
الأخطر من مزحة "العروس الصينية" هو الخوض في قضايا قد تؤثر في علاقات الدول العربية بالصين، وهي علاقات طيبة تقوم على التفاهم والاحترام. وقد وصل الأمر بجريدة ((الأهرام)) المصرية العريقة أن تنشر هذا العنوان "خطايا الصين العظيمة". ولا أدري ماذا لو نشرت جريدة صينية رسمية تعبر عن السياسة الرسمية للدولة موضوعا على رأسه عنوان "خطايا مصر العظيمة". وأترك المجال لخيال القارئ ليتصور مسؤولا صينيا يقرأ مقالة في الجريدة الرسمية الأولى للدولة المصرية تتهم بلاده بتهديد الأمن المائي لمصر، وتصف الصين بالعملاق الأصفر "الذي على وشك أن يلتهم العالم".
كاتب المقال، الأستاذ محمد السعدني، لم يخرج عن نمط التسطيح والسطحية، فهو يتساءل عن سبب "الإصرار الصيني على الدخول في مشروعات اقتصادية كبرى علي تخومالحدود المصرية وتضر حتما بالأمن القومي المصري‏" ولكنه لا يذكر لنا اسم مشروع واحد، بل ويسترسل متسائلا مرة أخرى :"كيف يمكننا التحرك لإحباط هذهالمشروعات أو على أضعف الإيمان كيف يمكن مواجهة آثارها المدمرة وتقليل تأثيراتهاإلى الحد الأدنى؟"
ومرة أخرى، يقول: "آخر ما كان يمكن أن نتوقعه أن مجموعة من رجال الأعمال الصينيين عرضوا علىالحكومة الإسرائيلية تمويل مشروع ضخم لبناء خط سكة حديد يربط ميناء إيلات على خليجالعقبة بالبحر الأبيض لينافس قناة السويس، وربما يلغي دورها تماما بسبب التكاليفالباهظة لعبور السفن في القناة حسب وصف الصينيين‏."‏ ولا يذكر لنا الصحفي الكبير المصدر الذي استقى منه هذا الخبر الذي يتضمن معلومات خطيرة تثير غضب كل عربي ومصري، وكان بوسعه ببساطة بالغة أن يتصل بسفارة الصين في القاهرة أو بوزارة الخارجية أو الري في بلده ليستوضح الأمر. ويذهب خيال الرجل بعيدا ويقول: "نعلم أن الحكومة الصينية ـ وليس رجال الأعمال- تدخل في مشروعات عدة لبناء السدود على روافد منابع النيل‏، وهي تعلم علم اليقين أن مشروعات كهذه لابد أن تؤثر على الأمن المائي المصري إن عاجلا أو آجلا‏.‏ ونعلمأن مشروعات زراعية عملاقة بدأت الصين في تنفيذها، سواء في دول حوض النيل أو فيالسودان، وجميعها تؤثر على حصة مصر من المياه." ومرة ثالثة لا يذكر لنا شيئا من أسماء تلك المشاريع أو حتى أي معلومات بسيطة عنها. ثم يقفز صحفي الأهرام من منابع النيل إلى منطقة بعيدة، فيقول: "ناهيك عن التعاون العسكريالكبير بين الصين وإسرائيل في ظل علاقات دبلوماسية لا يزيد عمرها على 18‏ عامافقط‏."
إن أي مواطن عربي لا يقبل أن تهدد أي دولة، أيا كانت، المصالح الاستراتيجية لدولة عربية، صغيرة أو كبيرة، ولكن توجيه الاتهامات إلى الصين، وهي دولة صديقة، أكرر دائما أنها العربة الأخيرة للعرب في قطار القوى الكبرى، هو تهديد لأمن الدول العربية وإضرار بالغ بمصالحها وعلاقاتها وصورتها في الصين، فانعكاسات مثل تلك الكتابات التي تفتقر إلى القواعد المهنية للعمل الصحفي، بالغة السوء على العلاقات الشعبية والرسمية العربية الصينية.
تقول الدكتورة ليلى عبد المجيد، وهي عميدة سابقة لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، في مقال لها بعنوان "الإعلاميون وصحافة الدقة" نشرته ((الأهرام)) في 21 نوفمبر 2010 "إنه من الأخطاء المهنية التي يرتكبها الصحفي، الوصول لاستنتاجات سببية غير صحيحة أو غير دقيقة نظرا لأنها تمثل مجرد انطباعاتللصحفي أو بعض مصادره‏، أو لأنها لا تستند إلى معلومات أو بيانات محددة وموثقة ودقيقة، وأحيانا يتم الربط المزيف بين نتيجة ما ومتغيرات أخرى، هي في الأصل غيرمرتبطة بها أو غير مسببة لها‏، وإنما حدث هذا الارتباط المزيف إما بشكل متعمد ومقصود لتحقيق أهداف أو مصالح معينةللصحيفة أو القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعبر عنها هذه الصحيفة وتعكس مصالحها‏، أو بشكل غير متعمد نظرا لعدم بذل الجهد المناسب والمطلوبوالاستسهال." ولو أن السيد محمد السعدني بذل جهدا بسيطا واتصل بالجهات المعنية، الصينية أو المصرية، لكانت اتهاماته ذات معنى حتى وإن رفضت تلك الجهات تقديم ما ينفي أو يؤكد ادعاءاته، فالقاريء يكفيه أن يعلم أنه سعى إلى الحقيقة.
ولكن الأمر يتطلب أيضا، تحركا نشيطا من جانب الأجهزة الرسمية العربية والصينية. لابد أن تبادر سفارات الصين لدى الدول العربية بتكذيب ما ينشر من مزاعم عن الصين، وأن تصر على عرض الحقائق التي لديها في نفس الوسيلة الإعلامية التي تروج لتلك المزاعم، ولابد لوزارات الخارجية والإعلام في الدول العربية والمؤسسات المعنية بالعلاقات العربية الصينية أن تلفت نظر وسائل الإعلام إلى المردود السلبي للتناول الإعلامي السطحي والمسئ للصين بدون دليل أو برهان.
ينبغي على وسائل الإعلام الصينية الموجهة إلى المنطقة العربية أن تتابع مثل هذه القضايا وأن تهتم بتوضيح الحقيقة فيها. لا يكفي ما تقدمه تلك الوسائل، وخاصة القناة التلفزيونية الصينية الناطقة بالعربية، من برامج مبهجة عن الصين وعن العلاقات الصينية العربية الرائعة. يجب أن تتناول بعمق القضايا التي يمكن أن تؤثر تأثيرا سلبيا على العلاقات الصينية العربية على المدى البعيد، قبل فوات الأوان.
على الرغم من أنني لست من مؤيدي نظرية المؤامرة، إلا أنني لا أستبعد وجود يد خفية ترتدي عباءة الوطنية والقومية تحرك الأقلام والأفواه التي تنال من الصين في وسائل الإعلام العربية، لأسباب لا تغيب عن فطنة أحد.

No comments:

Post a Comment