Tuesday, 5 February 2013

الثقافة الصينية في دبي

كتبها حسين إسماعيل ، في 1 نوفمبر 2012 الساعة: 11:55 ص

 
الثقافة الصينية في دبي
حسين إسماعيل
أقام معهد كونفوشيوس في جامعة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، "الأسبوع الثقافي الصيني" الذي أقيم حفل افتتاحه في العشرين من أكتوبر 2012، بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الثالثة والستين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وقد بدأ الحفل، الذي استضافه مسرح مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في دبي، بكلمة قصيرة للسيدة همت لاشين، مديرة معهد كونفوشيوس بجامعة دبي، ثم ألقى الأستاذ الدكتور محمد عمر حفني، رئيس جامعة دبي، كلمة تعكس عمق الفهم وإدراك المسؤولية الثقافية للمؤسسات التعليمية ودورها في التواصل الثقافي بين الشعوب، كما تحدث القنصل العام للصين في دبي مشيرا إلى الأواصر القوية للعلاقات الصينية- الإماراتية.
والحقيقة أن التقاء الثقافة، وخاصة الصينية، مع مدينة دبي لابد أن نتوقف عنده ونتأمله؛ ذلك أن دبي، التي تذكرني دائما بمدينة شنتشن الساحلية الصينية، ارتبطت في الأذهان بالأعمال والمال والتجارة، برغم ما لديها من مخزون وتراث ثقافي يمكن أن ينهض نبراسا لها، جنبا إلى جنب مع تألقها التجاري والمالي. والحقيقة أن ثمة قواسم مشتركة عديدة بين دبي وشنتشن، فهما مدينتان ساحليتان ليس لديهما من موارد طبيعية كثيرة، وارتبط كلاهما بحرفة الصيد والأعمال البحرية قديما. بطل قصة دبي وشنتشن هو الإنسان الذي صنع أسطورتيهما. ومن نافلة القول إنه لا حياة لإنسان بدون ثقافة،وهذا ما لم يغفله القائمون على المدينتين، فبد أن تطورتا اقتصاديا وتجاريا، طفقتا تعززان بنيتهما الثقافية حتى صارتا منارتين ثقافيتين.
إن ما احتضنته دبي في هذه الأيام ثقافة ليس ككل الثقافات، ثقافة تتدفق منذ أكثر من خمسة آلاف سنة دون توقف، محتفظة بالوعاء الرئيسي لأي ثقافة وحضارة؛ اللغة. طورت الصين لغتها ولكنها لم تبدلها، مثلما فعلت حضارات عريقة أخرى، امتزجت ثقافة الصين وخالطت ثقافات أخرى، ولكنها لم تفقد يوما هويتها. استوعبت الثقافة الصينية كل يمكن استيعابه من الثقافات الأخرى عبر عملية فرز وانتقاء، ولكن كل شيء دخل إلى الصين "تصين"، أي صار ذا صبغى صينية. حتى العقائد الدينية، بدءاً من البوذية التي جاءت إلى الصين من الهند، وانتهاء بالمسيحية التي دخلتها مع المبشرين المسيحيين، ومرورا بالإسلام الذي دخلها مع التجار المسلمين، وتلك هي العقائد التي دخلت إلى الصين من خارج حدودها، "تصينت". ولا يمكن لشركة عالمية أن تنجح في الصين إلا إذا أعطت لمنتجاتها طابعا صينيا، حتى مطاعم الوجبات السريعة الغربية التي افتتحت فروعا لها في الصين، أعطت طعامها نكهة صينية.
لقد ظل التبادل الثقافي بُعدا هاما في العلاقات العربية- الصينية في العصر الحديث. ومنذ أن بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية والصين، بدأ العرب يتعرفون على الثقافة الصينية من خلال أدوات متنوعة، في مقدمتها زيارات الفرق الفنية الصينية للدول العربية والتبادل التعليمي في مجال الثقافة والفنون. ولكن الحضور الثقافي للصين في المنطقة العربية تراجع في فترة الثورة الثقافية (1965- 1975) التي أتت على الأخضر واليابس في الصين، حتى أن بكين سحبت سفراءها في كل الدول العربية التي كانت هلا علاقات دبلوماسية معها، باستثناء سفارتها في مصر. وظل التراجع مستمرا في بداية فترة الإصلاح والانفتاح في الصين التي بدأها الزعيم دنغ شياو بينغ في سنة 1978،، حيث انكبت الصين على بناء اقتصادها وأهملت العمل الثقافي الخارجي.
ومع صعودها الاقتصاي، أدركت الصين أهمية البعد الثقافي في علاقاتها الخارجية وفي بناء صورة الدولة في الخارج فطفقت تولي اهتماما متزايد للتبادلات الثقافية الخارجية، ففتحت أبوابا كثيرة للجماهير العربية للتعرف على الثقافة الصينية. ونشير هنا إلى الدور الذي تقوم به معاهد كونفوشيوس، ليس في نشر اللغة الصينية فحسب، وإنما أيضا في نشر الثقافة الصينية بكافة أشكالها من خلال الفعاليات التي تقيمها بشكل دائم في محيطها. وبفضل معاهد كونفوشيوس في الإمارات ومصر ولبنان والمغرب، صار الجمهور العربي متابعا شغوفا للعديد من أوجه الثقافة الصينية. ومن خلال تلك الفعاليات عرف العرب طقوس ونشاطات "عيد الربيع الصيني"، و"عيد منتصف الخريف" وفن "الورق المقصوص" وفن "العقدة الصينية، ولم يعد غريبا أن يحدثك مواطن عربي من العامة عن "قوارب التنين" أو "أوبرا بكين" أو آلة آرهو" الموسيقية الصينية.
لا يكاد يمر أسبوع إلا ويقام نشاط ثقافي صيني في ركن من أركان المنطقة العربية، سواء في شكل "أسبوع أفلام" أو"أيام ثقافية" أو "عرض مسرحي" أو أمسية ثقافية الخ.
وبعد النجاح الذي حققته بعض الأفلام الصينية في المهرجانات العالمية، بدأ بعض العرب يهتمون بالسينما الصينية ويتابعون أخبارها وأخبار نجومها. وفي مهرجانات سينمائية عربية، يشارك ممثلون ومخرجون صينيون في لجان التحكيم وتعرض أفلام صينية، فقد كان فيلم "الخناجر الطائرة" الصيني فيلم الافتتاح لدورة سنة 2005 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي. وبدأ الجمهور العربي يعرف أسماء تشانغ تسي يي، الممثلة المعروفة، وتشان يي مو، وفنغ شياو قانغ وتشن كاي قه، المخرجين المشهورين.
العروض المسرحية المبهرة التي تقدمها الفرق الصينية في الدول العربية توسع جمهور الثقافة الصينية، خاصة أن منها قرقا تسعى إلى دمج بعض العناصر المحلية العربية في عروضها، مما يجعل هذه العروض أكثر قربا من الجمهور العربي. ولعل من أكثر العروض الفنية الصينية التي لاقت رواجا عربيا عرض "سطوع القمر على جبل خلان" الذي قدمته فرقة نينغشيا المسرحية، وذلك لاشتماله على عناصر عربية.
وهناك عامل هام لمعرفة العرب بالصينيين، وأقصد به ألعاب الأطفال، التي يرتبط بها الإنسان منذ صغره وتكوّن لديه صورة حول البلد المُنْتِج لهذه الألعاب. ولا يخلو بيت عربي من لعبة أطفال مصنوعة في الصين، ولهذا فإن ألعاب الأطفال أداة هامة لنشر الثقافة الصينية.
الأداة الرئيسية لنشر أي ثقافة في العصر الحديث هي وسائل الإعلام. والحقيقة أن وسائل الإعلام الصينية الناطقة بالعربية، مثل الطبعة العربية لمجلة ((الصين اليوم)) والقسم العربي في ((إذاعة الصين الدولية)) والخدمة العربية لـ ((شبكة الصين)) والقناة العربية في ((محطة التلفزيون الصينية المركزية))، تلعب دورا محوريا في نشر الثقافة الصينية بالبلدان العربية. ولكن هذه الوسائل، في تقديري، لا تلعب دورها كاملا ومازالت غير قادرة على مخاطبة القطاع الأوسع من الجمهور العربي وتحتاج حقا إلى إصلاح وتعديل طريقة عملها حتى تحقق نتائج أفضل.
علينا أن نعترف بأن قطاعا عريضا من جمهور الثقافة الصينية في البلدان العربية هو من المهتمين بالصين لسبب أو لآخر، مثل معلمي ودارسي اللغة الصينية والتجار الذين يتعاملون مع الصين وهواة ولاعبي رياضة الووشو (الكونغ فو) الصينية الخ.
إن هناك مجالا واسعا لمزيد من انتشار الثقافة الصينية في البلدان العربية، ولكن تحقيق ذلك يتطلب من الجانب الصيني تطوير الأنماط التقليدية لنشر الثقافة ودراسة بيئة المجتمع العربي بشكل عميق حتى يمكن الوصول إلى قلوب وعقول أفراد هذا المجتمع.
والحقيقة أن وزارة الثقافة الصينية تبذل جهودا كبيرة لنشر الثقافة الصينية في الخارج، من خلال ترجمة أفلام وثائقية وروائية صينية، وترجمة كتيبات تُعرِف بالوجوه المختلفة للثقافة الصينية. وقد شاركت بنفسي في بعض هذه الأعمال وأعرف قيمتها تماما. بيد أن الحلقة التالية لعملية الترجمة والطباعة لا تكون على المستوى المطلوب، حيث يقتصر توزيع تلك الأعمال أو مشاهدتها على قطاعات معينة من الجمهور العربي، وتحديدا بين المهتمين بالشؤون الصينية أو المتواصلين مع السفارات والقنصليات الصينية في الدول العربية.
الترجمة أداة أخرى فعالة في نشر الثقافة الصينية في البلدان العربية. وقد كانت دار النشر باللغات الأجنبية (المجموعة الصينية للنشر الدولي حاليا) تقوم بدور جيد في هذا المجال حتى نهاية القرن العشرين، حيث أصدرت عددا لا بأس به من الأعمال الأدبية، والسياسية أحيانا، المترجمة إلى اللغة العربية. ولكن، مع اتجاه المؤسسات الصينية عموما إلى العمل وفقا لآليات السوق، ووضع الربح والخسارة في الاعتبار، في بداية القرن الجديد، قلت الأعمال المترجمة بين اللغتين الصينية والعربية، برغم الانفتاح المتزايد للشعبين الصيني والعربي على الثقافات الأخرى.
وقد بذلت خلال السنوات الخمس السابقة جهود مشكورة لإحياء وتنشيط اعمال الترجمة الصينية- العربية، أذكر منها المشروع القائم حاليا برعاية مجلس الدولة الصينية وتنفذه المجموعة الصينية للنشر الدولي لترجمة الأعمال الكلاسيكية الصينية إلى اللغة العربية، وأعتز بمشاركتي فيه. هذا إضافة إلى مشروع ضخم آخر بين المجموعة الصينية للنشر الدولي ومؤسسة الفكر العربي التي يرعاها الأمير خالد الفيصل، لترجمة مجموعة منتقاة من الكتب الصينية إلى اللغة العربية. وهناك مشروعات ترجمة صينية- عربية أخرى تجعلنا نستبشر خيرا بأن يجد القارئ العربي الكتاب الصيني مترجما إلى اللغة العربية من لغته الأم مباشرة، لتفادي الأخطاء الجسيمة التي نراها في الكتب الصينية المترجمة من لغة وسيطة.
وما يبعث على التفاؤل أيضا، انتباه الأوساط الثقافية العربية إلى الثقافة الصينية، فقد اختار القائمون على جائزة الشيخ زايد للكتاب (الإمارات) المستعرب الصيني تشانغ جي كون (صاعد) شخصية العام للجائزة في سنة 2011. وفي نفس السنة أقيمت فعاليات الملتقى الرابع لجائزة الملك عبد العزيز في الترجمة (السعودية) بجامعة بكين في الصين.
بالإضافة إلى كل ما سبق، نقول إن أهم عامل لنقل الثقافة إلى الآخر هو الإنسان، ومع سهولة ويسر وتزايد حركة السفر بين الصين والبلدان العربية لابد أن يتعمق الإدراك الثقافي لدى كل طرف حول الآخر. إن الإنسان، كونه كيانا ثقافيا متحركا، هو أهم ناقل للثقافة. ومن مزايا انتقال الثقافة عبر الإنسان أنها تنتقل في صورتها الحقيقية دون تدخل من أي طرف.
وإجمالا، يمكن القول إنه مع تواصل التقدم الذي تحققه الصين في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا، سيكون من الطبيعي أن تتوسع الثقافة الصينية في المنطقة العربية وأن يزداد إقبال الجمهور العربي عليها، فالثقافة الصينية تواجه فرصا عظيما، ولكنها أيضا تواجه تحديات جمة في المنطقة العربية، منها تحديات داخلية، فبعض المجتمعات العربية مجتمعات دينية محافظة قد لا تناسبها بعض المنتجات الثقافية الصينية، كما أن هناك مجتمعات عربية متأثرة بشدة بالثقافة الغربية وتحتاج جهودا كبيرة لشد انتباهها إلى ثقافات أخرى. وفي مقدمة التحديات الخارجية التي يواجهها انتشار الثقافة الصينية في المنطقة العربية التنافس الشديد في سوق الثقافة العربية، ويكفي أن نعرف أن كافة الدول الرئيسية في العالم لها قنوات تلفازية ومحطات إذاعية ناطقة بالعربية تخاطب العقل والوجدان العربي، وتسعى إلى التأثير في الرأي العام في قضايا معينة .
الثقافة الصينية ثقافة شرقية عريقة، وهذا يعطيها ميزة في مواجهة الثقافات الأخرى ولكن ينبغي البحث عن السبل المناسبة والعصرية لنشر هذه الثقافة في كل دول ومناطق العالم، ومنها المنطقة العربية.

No comments:

Post a Comment