كتبها حسين إسماعيل ، في 31 أغسطس 2010 الساعة: 10:54 ص
الصينيون خارج بلادهم
من الغرق في البحر إلى إنشاء المصانع!
حسين إسماعيل
ليس جديدا أن يذهب الصينيون إلى دول
أخرى بغرض العمل، فذلك كان دأبهم دائما، إذ تجد في عواصم ومدن عالمية كثيرة ما يسمى
تشينا تاون، أي الحي الصيني. الجديد، في السنوات الأخيرة، هو أن الصيني الذي يعمل
خارج وطنه لم يعد خارج حسابات حكومة بلاده وسفاراتها وقنصلياتها، أو خارج نطاق
اهتمامات أبناء وطنه في الداخل، ولم يعد طريقه إلى الخارج غير شرعي في كل الأحوال،
ولهذا لم يعد سفره إلى خارج الصين رحلة إلى المجهول.
في بداية فترة الانفتاح الصيني على
الخارج، كان عدد ليس قليلا من الصينيين الذين يواجهون ظروف حياة قاسية أو من
الطامعين في ثراء سريع، الحالمين بحياة
أفضل، أو من يُغرَرُ بهم، يتم تهريبهم
إلى الخارج عبر مُهربين متخصصين في هذا النوع
من الاتجار بالبشر. وفي أحيان كثيرة كانت
قوارب التهريب تصل إلى نهاية مأساوية، إما الغرق في عرض البحر أو القبض على
المُهَربين قبيل الوصول إلى المقاصد التي يتجهون إليها، مثلما الحال مع قوارب الموت التي تحمل مهاجرين أفارقة وعربا كانوا يحلمون بالوصول إلى الشواطئ الأوروبية وينتهي بهم المطاف إلى عرض
البحر الأبيض المتوسط. هذه المأساة عبر عنها سنة 2008 الشاعر
العربي الرقيق فاروق جويدة، في قصيدة حملت عنوان ((هذه بلاد لم تعد
كبلادي)) بعد غرق عدة قوارب على متنها عشرات
من الشباب المصريين في عرض البحر، جاء
فيها:
تـَتـَلاطـَمُ الأمْوَاجُ فـَــوْقَ
رُؤُوسِنـَــــــا
والرَّيحُ تـُلـْقِيللصُّخُور ِعَتـَادِي
نَامَتْ عَلـَي الأفـُق
البَعِيـــدِمَلامــــــحٌ
وَتـَجَمَّدَتْ بَينَ
الصَّقِيـِعأيـــَـــادِ
وَرَفـَعْتُ كـَفـِّي قـَدْ يرَانـِي
عَاِبـــــــــرٌ
فرَأيتُ أمِّي فِي ثِيـَــابِحـِـــــدَادِ
أجْسَادُنـَا كـَانـَتْ تـُعَانـِـــقُ
بَعْضَهـَــــا
كـَوَدَاع ِ أحْبَــابٍ بــِــلا
مِيعـَــادِ
البَحْرُ لـَمْ يرْحَمْبَـرَاءَة َعُمْرنـَـــــــــا
تـَتـَزاحَمُ الأجْسَادُ ..
فِيالأجْسَادِ
ولعل البعض مازال يتذكر حادثة يونيو
سنة 2001 في دوفر بإنجلترا، عندما عُثر على جثة 58 صينيا في صندوق مُبرِد
لسيارة
لوري، حيث ماتوا مختنقين وهم في طريق هجرتهم غير الشرعية إلى أوروبا.
وفقا لأرقام وزارة التجارة الصينية كان
عدد الصينيين العاملين بالخارج أربعة ملايين سنة 2007 ارتفع إلى أربعة ملايين
وثلاثمائة وتسعين ألفا السنة الماضية
2009، بزيادة قدرها 10%. وفي تقديري هذا
الرقم يشمل فقط العاملين في الخارج المسجلين لدى الجهات الرسمية الصينية، ولهذا
أعتقد أن العدد أكثر من ذلك. وينتشر هؤلاء العاملون في 180 دولة ومنطقة في أنحاء
العالم، ولكن المقاصد المفضلة لهم هي الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والبلدان
الصاعدة اقتصاديا في جنوب شرقي آسيا، مع زيادة ملحوظة في الاتجاه نحو أفريقيا.
وبرغم أن البعض قد يهوله رقم أربعة أو خمسة ملايين، فإن الحقيقة هي أن
هذا الرقم يظل نسبة متواضعة للغاية (أقل من04ر4%) من المليار
وثلاثمائة وعشرين مليون نسمة؛ عدد سكان بر الصين الرئيسي، مقارنة مع العاملين في
الخارج من أبناء دول أخرى، فعلى سبيل المثال،عدد المصريين العاملين بالخارج، وفقا
لوزارة الخارجية المصرية، 7ر6 ملايين فرد، أي نحو 9% من الثمانين مليون مصري.
حسب المصادر الصينية، منذ سنة 1979، أي
عقب انتهاج البلاد لسياسة الإصلاح والانفتاح وتخفيف القيود على سفر الصينيين
للخارج، غادر الصين أكثر من مليون فرد قاصدين دول العالم المختلفة، وإن كان معظمهم
ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وكان عدد الذين يهاجرون من الصين كل سنة يقدر
بنحو مائة ألف فرد، معظمهم من مقاطعة فوجيان بالساحل الجنوبي الشرقي للصين. كانوا
يخرجون فرادى وأحيانا مع أسرهم بكاملها بحثا عن حياة أفضل. وكانت رحلة الخروج تبدأ
بالسفر إلى المدن المينائية الرئيسية المجاورة، وتحديدا إلى هونغ كونغ، ومن هناك
يتولى المهربون المعروفون باسم "رؤوس الأفاعي" تهريبهم إلى المقاصد التي يختارونها
مقابل مبالغ تتراوح بين عشرين ألف وستين ألف دولار للفرد، يدفع جزءا منها قبل
المغادرة ويسدد الباقي بعد وصوله وحصوله على عمل في الجهة التي يقصدها.
الذين يتحملون مشقة ومخاطرة التهريب،
ويبيعون كل ما يملكون، بل ويستدينون من أجل السفر إلى بلد آخر، كانوا يفعلون ذلك
أملا في الثراء الذي يعدهم به المهربون الذين يقولون لزبائنهم إن العمل عدة شهور
فقط في الجهة التي سيذهبون إليها كفيل بسداد كافة الأموال التي أنفقوها في رحلة
تهريبهم. رؤوس الأفاعي، كما هو حال مهربي البشر في أنحاء العالم، يبيعون الوهم
لزبائنهم، فالذين يتم تهريبهم بهذه الطريقة ينتهي بهم الأمر إلى العمل في مهن
متواضعة للغاية ذات أجر بسيط في الولايات المتحدة أو غيرها ويعيشون مهددين كونهم
مقيمين غير شرعيين في البلد الذين يحلون فيه، وبعد أن يكتشفوا الخديعة لا يملكون
إلا أن يقبلوا الوضع لسنوات عديدة لا لشيء إلا لسداد ديونهم. وفي البلاد التي
يهاجرون إليها، يستغلهم أصحاب الأعمال لأنهم يعلمون أنهم مهاجرون غير شرعيين لا
يحميهم القانون. الكارثة الأكبر أن رحلة وهم الثراء تنتهي أحيانا بالغرق في عرض
البحر. وقد كانت حادثة وفاة 58 صينيا مختنقين في الشاحنة المبردة على ساحل دوفر
بإنجلترا في شهر يونيو سنة 2000 قبل وصولهم إلى مقصدهم مهربين، جرس إنذار جعل
الحكومة الصينية تتخذ إجراءات صارمة ومكثفة لضرب عمليات تهريب البشر. ولكن معالجة
قضية الهجرة غير الشرعية لا تكون بسن تشريعات والقيام بعمليات مداهمة لأوكار
المهربين وتغليظ عقوباتهم فحسب، وإنما أيضا، وهذا هو الأهم، القضاء على الأسباب
التي تدفع مواطنا بسيطا فقيرا لأن يغامر بحياته ويستدين هو وأسرته ويسافر إلى
المجهول. وقد وعت الحكومة الصينية الأسباب الحقيقية للهجرة غير الشرعية، فسعت إلى
تحسين مستويات معيشة المواطنين في المناطق التي تعتبر المصدر الرئيسي للمٌهَرَبين،
وقامت بحملات توعية لمواطنيها حول السفر إلى الخارج، مستعينة أحيانا بمسئولين أجانب
من البلاد التي يقصدها المهاجرون، حيث يشرحون ظروف بلادهم وشروط الإقامة والعمل بها
ومصير المخالفين. وقد نظمت الحكومة الصينية زيارة لوزير الهجرة الأسترالي السابق
بول روديك إلى مقاطعة فوجيان ليوضح الرجل المسؤول عن المهاجرين في بلاده الأحوال
والظروف هناك، وتم توزيع خمسة آلاف ملصق للتحذير من التعامل مع مهربي البشر في
فوجيان وحدها، كما تم عرض أفلام فيديو تبين عمليات الاعتقال للمهاجرين غير الشرعيين
وظروف معيشتهم المزرية ونقلهم في حاويات لا تتوفر بها أدنى شروط السلامة للمسافرين.
الآن، بعد سنوات ليست كثيرة من انتهاج
هذا الأسلوب في معالجة واحدة من أخطر القضايا التي كانت تهدد سلامة وأمان الصينيين،
لم نعد نسمع عن غرق الصينيين في عرض البحر، وتآكلت عصابات التهريب وشرعنا نقرأ
ونعرف عن استثمارات فردية صغيرة في الخارج، تطورت إلى استثمارات ضخمة لشركات خاصة
ولأفراد. لقد توسعت أعمال الشركات الصينية الحكومية والخاصة في الخارج وشهد عدد
الصينيين المهاجرين بطرق غير شرعية تراجعا حادا، بينما زاد عدد الصينيين العاملين
والمقيمين في الخارج بطريقة قانونية زيادة هائلة. وحسب تقرير لصحيفة هوانتشيو
(غلوبال تايمز) الصينية في 29 ديسمبر 2009، يوجد ستمائة ألف صيني يعملون في نحو
ثمانية آلاف شركة صينية بالخارج. ويبلغ عدد الصينيين الذين يسافرون إلى خارج البلاد
لأغراض شتى سنويا نحو أربعين مليون فرد.
هذه "الكثرة" الصينية خارج حدود الوطن
فرضت على حكومة الصين تحديات جديدة تتعلق برعاية وحماية مصالح رعاياها في الخارج،
خاصة بعد أن تعرضت أرواح وممتلكات الصينيين لمخاطر جسيمة في أماكن متفرقة من
العالم، من روسيا إلى جنوب أفريقيا إلى كندا وأستراليا وأسبانيا إلى السودان
والعراق والجزائر وغيرها. وعلى سبيل المثال عندما وقعت أحداث شينجيانغ في الخامس من
يوليو سنة 2008، هدد ما يسمى بتنظيم
القاعدة في المغرب الإسلاميبمهاجمة مصالح
صينية في الخارج، ولعلنا نتذكر ما قاله آنذاك
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشين قانغ من أن الصين ستتخذ جميع التدابير اللازمة لحماية رعاياها في
الخارج. وحسب شركة للتأمين مقرها لندن، صار
الصينيون والفرنسيون الألمان، الأهداف الرئيسية للاختطاف في أنحاء العالم، ويكون
ذلك لأسباب مختلفة.
حسب تقرير في 24 يوليو لصحيفة "تشينا
ديلي" الرسمية الصينية، فإنه مع تعمق العولمة وتطور اقتصاد الصين فإن المزيد
والمزيد من الصينيين سوف يتجهون إلى الخارج ومعهم منتجات "صنع في الصين". وهؤلاء
يساهمون في تنمية اقتصادات الدول التي يحلون بها وتنمية اقتصاد الصين أيضا. وحسب
التقرير، ذهب عشرات الملايين من التجار الصينيين إلى أكثر من مائة وسبعين دولة
ومنطقة. ومع هذه الزيادة تقع احتكاكات بين التجار الصينيين والتجار المحليين
والسلطات المحلية في البلاد التي يحلون بها، حدث ذلك في موسكو، عندما أغلقت سلطات
مدينة موسكو متاجر الصينيين في سوق تشيركيزوفسكي حيث يوجد ثمانون ألف تاجر صيني في
شهر يوليو 2009، وحدث في الجزائر عندما وقعت مصادمات بين تجار صينيين وجزائريين في
العاصمة الجزائرية في شهر أغسطس السنة الماضية.
ويوجد حاليا للصين سفن حربية تراقب
السواحل الصومالية للمساهمة في مكافحة أعمال القرصنة بالبحر الأحمر، كجزء من الجهود
الصينية لحماية مصالح رعاياها وشركاتها وتجارتها في الخارج.
وتتحمل الدبلوماسية الصينية مسؤوليات
جديدة لمتابعة شؤون ومصالح الرعايا الصينيين في الخارج، سواء من الرسميين أو غير
الرسميين. لم يعد الصينيون في الخارج مواطنين بلا حماية، بل صاروا من دعائم اقتصاد
بلادهم واقتصادات الدول التي يذهبون إليها.
No comments:
Post a Comment